الاحتفاء اللسانيّ بالتفكيرِ اللغويّ في الأندلس
تنشغلُ كثيرٌ من الدّراساتِ اللسانيَّةِ الحديثةِ والمعاصرةِ بقراءةِ التّراثِ اللغويِّ العربيِّ في المشرقِ ، وتخضع الشخصيّاتُ والنظريّاتُ والمؤلّفاتُ المشرقيّةُ للتقويمِ اللسانيّ ، وللاحتفاءِ اللسانيِّ الواضحِ .
أمّا الدّرسُ اللغويُّ العربيُّ في الأندلسِ فإنَّ نصيبَه من هذه القراءةِ وهذا التقويمِ محدودٌ ، ويكادُ الضوءُ المسلّطُ عليهِ من الدّراساتِ اللسانيَّةِ يكونُ خافتاً ، إذ يكادُ يقتصرُ على شخصيّاتٍ معدودةٍ كابنِ حزمٍ الأندلسيّ ، وابن مضاءٍ القرطبيّ ، وأبي حيّان الأندلسيّ ، أمّا التّراثُ والنظريّاتُ والأفكارُ والمناهجُ فلعلّها تكونُ قليلةً أو أنّها متناثرةٌ في الأبحاثِ والدّراساتِ والرسائل الجامعيّةِ المتفرّقةِ .
وقد جاءت هذه الورقةُ العلميَّةُ من أجلِ أن توجّه العنايةَ في سبيلِ الاحتفاءِ بالتفكيرِ اللغويّ في الأندلس لسانيّاً ، ومن أجلِ أن توجّه الدّعوةَ للباحثينِ في سبيل إبراز القراءات المعاصرة لهذا الدّرسِ ، أو من أجل إنشاءِ دراساتٍ لسانيّةٍ جديدةٍ تُعنى بالتفكير اللغويّ الأندلسيّ وبالجهودِ والنظريّاتِ اللغويَّةِ الأندلسيّةِ .
وفي سبيلِ ذلك أشارتْ هذه الورقةُ إلى بعضِ هذه الأفكارِ الأندلسيّة ، وهي :
1- الاحتفاء اللسانيّ بفهم ظاهرةِ اللغةِ عند ابن حزم الأندلسي .
2- الاحتفاء اللسانيّ بمنهجيّةِ البحثِ اللغويّ في الأندلس .
3- الاحتفاء اللسانيّ بالدّرسِ الصوتيّ في الأندلس .
4- الاحتفاء اللسانيّ بمنهجيّةِ البحثِ النحويّ عند ابن مضاءٍ القرطبي .
5- الاحتفاء اللسانيّ بتوظيفِ السّياق في دراسةِ المعنى عند ابن حزمٍ الأندلسي .
ولا شكَّ في أنَّ هذه الأفكارَ ودراستَها جاءتْ الإشارةُ إليها والوقوفُ عندها على سبيلِ الإيجازِ في هذه المداخلةِ ، وتنتظرُ الفرصةَ العلميَّةَ المناسبةَ للتفصيلِ والاستقراءِ الدّقيقِ .
ابن مضاء القرطبي ومنهجه في كتابه (الرد على النحاة)
تمهيد: نشأ النحو في البيئة الأندلسية بعد مدة من فتح المسلمين لبلاد الأندلس فنقل المسلمون علوم العرب ومعارفهم إلى هذه البيئة الجديدة ومنها علم النحو، وكان النحو في البيئة الأندلسية كوفي النشأة، ثم ظهر النحو البصري في الأندلس على يد نحوي معروف هو محمد بن موسى المعروف بالأفشنيق الذي رحل إلى المشرق ولقي ابن قتيبة الدينوري واستنسخ منه كتاب سيبويه الذي كان ابن قتيبة قد أخذه عن المازني ، ثم ظهر ابن مضاء القرطبي في حكم دولة الموحدين الذين كان قريبا منهم فعينوه قاضيا في فاس وبجاية ومراكش ثم عينوه بمنصب قاضي الجماعة.
كان المذهب الظاهري في الفقه سائدا في ذلك الوقت وكان أحد أبرز أعلامه في ذلك الوقت هو ابن حزم الظاهري ، وقد تبنى الموحدون هذا المذهب الذي يرفض القياس في الفقه، فجاء ابن مضاء وطبق هذا المذهب على النحو وضمن أفكاره في كتبه التي لم يصل إلينا منها سوى كتابه المشهور (الرد على النحاة).
منهجه في كتابه (الرد على النحاة):
1- جاء ابن مضاء بأفكار جديدة على علم النحو منها:
أ- إلغاء نظرية العامل.
ب- الغاء العلل الثواني والثوالث ورأى أنها علل فلسفية لا تستند إلى الواقع اللغوي ولا يستفيد منها المتعلم شيئا. ت- إلغاء الحذف والتقدير في بعض أبواب النحو